الخميس، 29 أكتوبر 2009

التوازن الإقليمي في شرق أفريقيا وإستراتيجية التدخلات الأجنبية

د.محمد عرب الموسوي
عضو هيئة التدريس بكلية الآداب بزواره مقدمة :
تكمن أهمية البحث في معرفة الأهمية المتزايدة التي أعطيت لمنطقة الشرق الإفريقي في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر ، ولا سيما الحملة التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما تصفه بقوى الإرهاب، فإن العلاقات الإقليمية من الوجهة الجيوبوليتيكية بين العالم العربي وباقي دول شرق أفريقيا حيث مثلت دائماً أحد المحاور الرئيسية التي يدور حولها مفهوم الأمن القومي بالنسبة الي كلا الجانبين ، إذ يمكن التعبير عن حقيقة هذه العلاقات الإقليمية في عدد من الأبعاد الأساسية التي تعد في حالة الصداقة دوافع ومحفزات للتعاون ، وفي لحظة العداوة تتحول الي أداة ضاغطة قادرة على أن تهدد العديد من الكيانات العربية ، ومن ثم فهي تعد مسرحاً لتطبيق مبدأ معين من مبادئ التعامل الحركي ، والممثلة بالاتي:
- المبدأ الأول: يفرضه وجود البحر الأحمر بوصفه ممراً مائياً عالمياً وهو دائماً موضع إهتمام القوى الدولية ، ومن ثم فإنه يفرض التعاون العربي والإفريقي.
- المبدأ الثاني: تفرضه مصادر مياه النيل ، حيث تستأثر إثيوبيا وحدها بأكثر من 80% من هذه المصادر، وعليه فإن تلك الحقيقة تفرض ضرورة تأمين التدفق الحالي لمياه النيل .
- المبدأ الثالث: يتمثل في طبيعة الصراعات القائمة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا عامة ، بما في ذلك جنوب السودان ، والتي تتعدى الأشكال المعتادة في الصراعات الإفريقية ، حيث أنها تدخل في إطار نمط الصراعات الاجتماعية الممتدة .
- المبدأ الرابع: يرتبط بمتغيرات النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، وخاصة منذ أحداث 11 سبتمبر وتعاظم الدور الأمريكي في المنطقة ، والذي ارتبط بوجود إسرائيلي مكثف في دول شرق إفريقيا .
وعليه فإن امن الدول العربية والإفريقية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعناصر السابقة ، علاوة على ذلك فان مفهوم الأمن الذي نعنيه هنا هو مفهوم مجتمعي متعدد الجوانب، ومتشابك الأبعاد ، وهو ليس مجرد مفهوم عسكري بحت ، وان كان في أبسط معانيه يتمثل في مبدأ أساسي وهو ضمان الحد الأدنى للحماية الذاتية وبهذا المعنى فإن الأمن القومي يعني أن هناك حدوداً لا يجوز لأي قوى أن تتعداها في التعامل ، ولو حدث ذلك فلابد من رد فعل عنيف يضع حداً لمثل هذا التجاوز، كما توجد بعض الحقائق المهمة التي تتمثل بالاتي:
1- إن منطقة شرق إفريقيا لا تطرح مفهوماً واضحاً للأمن القومي مناهضاً للأمن القومي العربي ،وذلك بخلاف المنطقة الشمالية الشرقية لأفريقيا التي يصطدم فيها امن مصر بأمن إسرائيل .
2 - إن الضعف الاستراتيجي في منطقة شرق إفريقيا يمكن أن يكون سلاحاً ذو حدين ، وهو إذا كان يضمن الأمن القومي العربي والإفريقي فإنه يجعل التدخل بمعنى الاختراق الخارجي وإمكانية استغلاله من جانب القوى الدولية أمراً سهل المنال .
وثمة عدة تساؤلات تأتي من حقيقة التفاعلات الإقليمية الراهنة في شرق إفريقيا ، والتي تحاول إعادة رسم الخريطة الجيوبوليتيكية للمنطقة ، بما يعيد ترتيب التوازن الإقليمي القلق الذي يحكم تفاعلات دول المنطقة منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها .
أول هذه التساؤلات يرتبط بضرورة تحديد بؤر التوتر في هذه المنطقة ، والتي تصير في لحظة معينة مصدراً من مصادر تهديد الأمن القومي العربي والإفريقي، أما التساؤل الثاني فهو تجريبي ينبع من الخبرة المعاصرة في خلق بؤر للتوتر على أطراف العالم لعربي وفقاً لما هو متعارف عليه في فقه العلاقات الدولية باسم (مبدأ شد الأطراف) ، ويتعلق التساؤل الثالث بإمكانية التعامل من قبل الدول العربية والإفريقية مع هذه البؤر ، ومدى تأثير بيئة التنافس العالمي والإقليمي في المنطقة .
وسوف تتم مناقشة هذه التساؤلات في شئ من التفصيل تبعا لجملة من القضايا الرئيسية التي تعد دوافع التعامل إقليمياً ودولياً في منطقة شرق أفريقيا والتي هي على النحو الآتي :
*منطقة جنوب البحر الأحمر وقضية الدور الإقليمي لإريتريا .
* مصادر مياه نهر النيل والتحكم الإثيوبي في معظم هذه المصادر .
* قضايا الاستقرار الداخلي لنظم الحكم والمجتمع في دول المنطقة .
* قضايا الحدود ، والنزاع حولها بين دول المنطقة .
* قضايا التحول نحو الديمقراطية التعددية بمفهومها الغربي الليبرالي .
* التنافس الدولي والسياسات الخارجية تجاه دول شرف افريقيا:
-جنوب البحر الأحمر والدور الاريتري :
للبحر الأحمر أهمية إستراتيجية بوصفه ممراً مائياً عالمياً مهماً يربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وهو أمرا لا يقبل الجدل في أي تفكير استراتيجي ، وإذا كان هناك غياب عربي واضح لأمن البحر الأحمر، فإن خطورته الحقيقية تبرز بصورة واضحة بالنسبة الي (إسرائيل ) ، حيث تؤكد الحقائق الجيوبولتيكية ذلك عندما اصدر بن جوريون تعليماته في حرب 1948م لموشي ديان بأن يفعل أي شئ مقابل السيطرة على منفذ مائي على البحر الأحمر وهذا ما حدث حينما احتلت إسرائيل قرية (أم الرشراش) العربية وأطلقت عليها اسم (إيلات) عام 1952م، ولعل السبب من وراء ذلك يكمن في أن اسرائيل دون البحر الأحمر تكون مقطوعة الصلة بكل من إفريقيا وآسيا ، وقد اكتشفت تلك الحقيقة منذ حرب أكتوبر 1973م عندما أغلقت البحرية المصرية في وجهها البحر الأحمر في باب المندب .
ومن الملاحظ أن أكثر من 90% من سواحل البحر الأحمر تقع داخل السواحل العربية الإسلامية ، والاختراقات غير العربية لهذه الجغرافية البحرية هما الشاطئ الإسرائيلي عبر إيلات،وكذلك السواحل الاريترية ، وعليه فإن تنظيم أمن البحر الأحمر يتوقف على توافق عربي إفريقي.
ورغم أهمية المدخل الجنوبي للبحر الأحمر من الناحية الإستراتيجية ، فان الدور الاستراتيجي الذي تلعبه جزر باب المندب ـ مثل جزر (بريم ، وموالية ، وحالب ، وأرخبيل حنيش) ، لا يمكن أن يخفى على أحد ، ولعل ذلك يفسر سعي الدول الساحلية لبسط السيطرة على هذه الجزر ، كما ظهر جلياً في النزاع اليمني الاريتري حول جزر حنيش .
إن استقرار الأوضاع في إريتريا منذ استقلالها عام 1993م لصالح التوجه السياسي الذي يمثله (أسياسي افورقي ) ، والذي ذهب بالبلاد بعيداً عن توجهها العربي والإسلامي ، يضفي مزيداً من التعقيد على منظومة امن البحر الأحمر .
وفي هذا السياق يمكن استخلاص الدلالات والنتائج من التطورات التي شهدتها المنطقة منذ استقلال اريتريا والممثلة بالاتي:
1- محاولة القيادة الاريترية القيام بدور إقليمي نشط ، بما يعني إعادة صياغة مفهوم التوازن الإقليمي لمنطقة القرن الإفريقي ، بل والقيام بعمليات فك وتركيب داخل النظام الإقليمي السائد في شرق أفريقيا .
2- الاصطدام الاريتري بإثيوبيا ، والتي تشكل إحدى القوى الفاعلة في المنطقة ، الأمر الذي أدى الي صدامين عسكريين بين الدولتين الجارتين ولم تتوقف الحرب بينهما إلا بعد ما أنهك كل منهما الآخر ، ووصلا الي نفق مسدود .
3- المحاولة الاريترية للسيطرة على جزر حنيش ، وهي المحاولة في التي باءت بالإخفاق بعد أن أقر حكم التحكيم الدولي بسيادة اليمن عليها.
4- سعى القيادة الاريترية بالتقارب مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وتصوير نفسها بأنها المدافع عن المصالح الغربية في المنطقة ، وأنها يمكن أن تكون عوناً للحملة الأمريكية فيما تدعيه بالحرب ضد الإرهاب ، وما يسمى بالأصولية الإسلامية المتنامية في منطقة شرق إفريقيا لقد دفعت هذه الطموحات الاريترية والعلاقات المتوترة مع كثير من دول المنطقة الي بدء حوار أمني بين كل من أثيوبيا والسودان واليمن إثر القمة التي جمعت في صنعاء في أكتوبر 2002م بين الرئيس اليمني ، ونظيره السوداني ، ورئيس الوزراء الإثيوبي ، وقد أعقب ذلك الإعلان عن تشكيل قوة إقليمية من الدول الثلاثة تهدف الي محاربة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي .
وعليه فإنه يمكن القول ـ استناداً الي ما سبق بأن المدخل الجنوبي للبحر الأحمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الجدار الجنوبي للعالم العربي والإسلامي، وأنه في لحظات معينة يمكن أن يمثل تهديداً خطيراً للآمن العربي والإسلامي ، وذلك من جانب القوى الدولية والإقليمية المتنافسة في شرق إفريقيا ، الآمر الذي يدعو الي ضرورة البحث عن أسلوب أمثل لتنظيم امن هذا البحر
بشكل عام
- مصادر مياه النيل والدور الإقليمي لإثيوبيا :
تتمثل الخطورة الإستراتيجية التي تعد تهديداً للأمن العربي في أن مصادر نهر النيل تقع في اراضٍ غير عربية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن منطقة شمال وادي النيل ـ حيث توجد أكبر منطقة زراعية تعتمد على مياهه.
ونهر النيل يمر بدولتين عربيتين فقط ، أما الدول الثماني الباقية فهي غير عربية وغير إسلامية ، وتعاني بدورها من مشكلة انفجار سكاني ، الأمر الذي يفرض عليها التوسع الزراعي ومن ثم تنشأ مشكلات تنظيم المياه وتوزيعها واستغلالها ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بإنشاء السدود الضخمة القادرة على التحكم في هذه العملية ، والسدود الضخمة سلاح ذو حدين وبصفة خاصة بالنسبة إلى مصر والسودان ،فبالرغم من تمكين دول الحوض من عملية التوزيع التي يتم الاتفاق عليها ، فإنه يسمح لدول المنبع بأن تتحكم ولو في حدود معينة وبفترات محددة في تدفق تلك المياه .
وتزداد خطورة قضية المياه في دول حوض النيل لأسباب معينة، منها :
- عدم وجود تنظيم حقيقي بين دول حوض النهر يسمح ببناء حوار جاد وفعال بين هذه الدول ويحسم عملية توزيع مياه النيل واستغلالها.
- وجود تنافس حقيقي بين دول حوض النيل حول إنتاج أنواع معينة من المحاصيل ، وبصفة خاصة القطن طويل التيلة الذي هو في حاجة الي مياه غزيرة .
- إن الصراعات بين دول الحوض قائمة على قدم وساق ، الأمر الذي يمكن القوى الكبرى والأطراف الخارجية من استغلالها لغير صالح المنطقة .
ولا يخفى أن المصالح المصرية السودانية ترتبط بشكل وثيق بمنطقة منابع النيل ، والتي تمثل عمقاً استراتيجياً للدولتين ، حيث إن أي تهديد لتدفق مياه النيل يمثل في الوقت نفسه تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي ، ومن المعروف تاريخياً أن إثيوبيا التي تسهم وحدها بأكثر من 84% من جملة إيرادات مياه النهر ـ تمثل عقبة رئيسية أمام قيام تنظيم قانوني حقيقي يجمع كل دول حوض النيل ، فهي تعتقد بأنها نافورة مياه ومن حقها الاستفادة من هذه المياه ، ولذلك حينما سئل أحد الكتاب الاثيوبين عن أهم صادرات إثيوبيا رد بقوله : (الماء ثم الماء ثم الماء) ولعل ذلك يعكس رغبة إثيوبية في مبادلة المياه بمقابل مادي .
وتسعى القيادة الإثيوبية بعد إعادة ترتيب أوضاع الدولة الجديدة في مرحلة ما بعد عام 1991م الي تقديم نفسها كفاعل إقليمي قوي يمكن الاعتماد عليه ، وهو ما أدى الي دخولها في مغامرات غير محسوبة بدقة ، مثل نزاعها الحدودي مع إرتريا ، وتوتر علاقاتها بشكل قلق مع السودان .
ومن الأمور الجديرة بالذكر هنا ما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية في المنطقة ، فالدولة العبرية تعلم جيداً ، حتى بعد توقيع إتفاقية السلام مع مصر عام 1979م ، أن الدولة الوحيدة القادرة على منعها من ممارسة الدور الإقليمي الذي تطمح إليه هي مصر ، ومن ثم فهي تتجه الي محاصرة مصر بشتى الوسائل الممكنة في محيطها ، وبصفة خاصة المحيط الإفريقي .
ولا شك أن أحد أدوات ذلك الحصار قضية مياه النيل ، وبناء على ذلك تجد أن السياسة الإسرائيلية تتعامل مع إثيوبيا بمنطق معين ، وتثير جنوب السودان من منطلق الهدف نفسه ، وتحاول إسرائيل في ظل الأزمة المائية الحادة التي تواجهها أن تشارك في مصادر المياه في حوض النيل ، ففي عام 1974م طرحت مشروع (أليشع كالي) مدير شركة (ناحال) ، والذي يتمثل في نقل مياه النيل الي صحراء النقب عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس ، وهو المشروع الذي أطلق عليه اسم (ترعة السلام) ، بل إنها أكدت موضوع المشاركة في الموارد المائية في منطقة الشرق الأوسط ، وجعلها على قائمة أولوياتها التفاوضية في مباحثات السلام العربية الإسرائيلية غير أن هذه المحاولات باءت جميعها بالإخفاق.
- قضايا الاستقرار السياسي في دول شرق إفريقيا :
تعاني دول المنطقة من مشكلات عدة ، انعكست بشكل مباشر على أنظمة الحكم والسياسة ، الأمر الذي أدى الي عدم استقرارها وتغيرها بشكل مستمر ودائم ، وفي هذا السياق توجد ثلاثة مستويات لحالة عدم الاستقرار السياسي التي تسود دول المنطقة :
I- التغيير العنيف للقيادة السياسية ، سواء من خلال الانقلابات العسكرية أو التدخل العسكري .
2- الصراعات الاجتماعية ، وخاصة بين الجماعات العرقية والاثنية الرئيسية في هذه الدول .
3- المحاولات الانفصالية في الحروب الأهلية التي تعاني منها كثير من دول المنطقة .
- التغير العنيف للقيادة السياسية :
شهدت المنطقة بمفهومها الجغرافي 26 حالة تم تغيير القيادة السياسية فيها بشكل عنيف خلال الفترة من نوفمبر 1958م وحتى نوفمبر 2002م ، ولعل ذلك يعكس خطورة عملية تداول السلطة ، وإشكالية الخلافة السياسية في دول المنطقة ،ولا شك أن عدم استقرار القيادة السياسية في شرق أفريقيا يطرح تحدياً أمام التعامل معها من جانب دول الجوار العربي .

- الصراعات العرقية والاثنية :
تشهد دول المنطقة تبايناً عرقياً وإختلافاً إثنياً واضح المعالم ، تم توظيفه في معظم الأحيان لتحقيق أهداف ومآرب سياسية داخلية لمصلحة جماعة حاكمة دون أخرى وهو ما أدى الي تصعيد التوترات الاجتماعية والسياسية بين هذه الجماعات المتمايزة .
إن الظاهرة الاثنية مستمرة في دول المنطقة وغيرها من البلدان الإفريقية ، وهو دليل واضح على عدم فهم جميع أبعاد هذه الظاهرة ، وعلى الرغم من طرح كثير من الحلول السياسية لها فإنها لا تزال تشكل أحد أبرز عوامل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول الإفريقية. وثمة عدة ملاحظات أساسية لفهم ظاهرة الصراع ألاثني في دول الشرق الإفريقي :
الأولى - إن دول المنطقة كلها تشهد وجود إنقسامات إثنية وعرقية وقبلية منوعة ، وتتباين هذه المجموعات ثقافياً وإجتماعياً ، وقد تمتلك هوية ذاتية تضعها في مرتبة أسمى من الانتماء الي الهوية القومية ، وهو ما يدعم من قناعاتها بالاستقلال والتمايز العرقي .
الثانية - إن هذه الانقسامات تتسم في كثير من دول المنطقة بمستويات عالية من العنف والتسييس ، كما هو في جنوب وغرب السودان وإثيوبيا والصومال .
الثالثة - في ظل هذا التوتر العرقي غالبا ما يتصاعد العداء بين مجموعتين إثنتين على نحو مكثف ، ويزداد الشك بين هاتين الجماعتين ، بحيث تعتقد كل جماعة أنها مهددة من قبل الجماعة الأخرى ، وتتوالى الافعال العنيفة وردود الافعال المضادة ، لحد ممارسة العنف ، ويؤكد هذه الحقيقة تاريخ الصراعات الاثنية في أوغندا وإثيوبيا .
الرابعة - من الملاحظ وجود وعي إثني متزايد ، سواء من حيث مداه أو ثقافته ، ومن ثم فإن المناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المصاحب له يتسم بالتوتر ، وفي ظل هذه الظروف والأوضاع يكتسب العام الاثني نوعاً من الإشباع والتدعيم الذاتي ، ويورق الانتماء العرقي عبر العملية الاجتماعية للأجيال المتتالية ، فالثغرة الاثنية تسيطر على العائلة ، وأجهزة الإعلام ، والحوارات الخاصة والعامة ، ومختلف وسائط العملية الاجتماعية .
- الحروب الأهلية والمحاولات الانفصالية :
لقد أفضت عمليات الاقتتال المسلح داخل حدود كثير من دول شرق إفريقية الي تكريس حدة عدم الاستقرار السياسي للنظم السياسية القائمة ، ومن ابرز هذه الحروب خطورة الحرب الأهلية في جنوب السودان والمشاكل الحالية في دارفور والصراعات المسلحة بين القوات الحكومية وجماعات المعارضة في أوغندا ، والعداوات ذات التعامل العنيف في إثيوبيا .
ونظراً لأهمية السودان في منظومة الأمن القومي العربي والافريقي ، فانه يشهد صراعا منذ استقلاله في منتصف الخمسينات من القرن الماضي وحتى الآن .
إن السودان محاط بعدد من الدول ذات الوزن الإقليمي، كمصر في الشمال ، وإثيوبيا في الشرق ، وأوغندا في الجنوب ، إضافة دول أخرى محيطة بالسودان ولها خلافاتها ،وان المشكلات العديدة في السودان ترجع لعدة حقائق منها:
- تعد أكبر الدول الإفريقية من حيث المساحة .
- يعاني من فقر شديد على الرغم من امتلاكه لخيرات لا حصر لها ، من بينها النفط ، الفحم النباتي .
- رداءة نظام الاتصال البري والجوي في داخل أرضه والذي يعد من أسوأ النماذج في عالمنا المعاصر .
- يتكون من خليط من الأجناس المتمايزة ، فبينما الشمال تسوده قبائل ذات أصول عربية وتنتمي الي الإسلام ، فإن جنوبه تسوده قبائل أصلها أفريقي زنجي تكاد لا تعرف الإسلام ، وفي الشرق قبائل أكثر انسجاما مع المجتمع الإثيوبي وإن لم تكن وثنية فهي مسيحية ، أما الغرب فإنه يشهد قبائل مختلفة عن بقية سكان الشمال .
- يشهد حروباً طويلة في إقليمه الجنوبي ، بدأت مرحلتها الأولى منذ عام 1955م بعد التمرد العسكري في مدينة (توريت) ، وإنتهت بالتوصل الي تسوية سليمة بمقتضى إتفاقية (أديس أبابا) عام 1972م ، ثم بدأت المرحلة الثانية منها عام 1983م بعد اندلاع التمرد العسكري والاضطراب السياسي مرة أخرى . وقد أثبتت هذه الحروب أن أياً من الطرفين لن يستطيع أن يخضع الآخر بقوة السلاح ، فالشمال لن يستطيع أن يحكم الجنوب فقط بالقوة ، والجنوب لن يتخلى عن رغبته الحقيقية في إبراز هويته الثقافة المتمايزة والمستقلة ،وإذا فصلت مشكلة جنوب السودان عن مشكلات القرن الإفريقي وشرق إفريقيا الأخرى ، لوجد أن جوهر الصراع داخلي يرتبط بتنظيم العلاقة بين الجنوب والسلطة المركزية .
ويمكن في هذا السياق الإشارة إلي ثلاثة متغيرات أساسية التي تعد ضرورية لفهم حقيقة الصراع .
1 - أن الصراع حول جنوب السودان يدخل في دائرة الصراعات الاجتماعية الممتدة التي تختلف في إدارتها عن استراتيجيات إدارة الصراعات المعتادة ، فجنوب السودان لا ينتمي عنصرياً ، ولا يتكلم لغة أهل الشمال نفسها ، فثمة فوارق عرقية ودينية وحضارية.
2ً - وجود الثروات الحقيقية في الجنوب ، إذ أن اكتشاف النفط في الجنوب ،ورفض الحكومة المركزية إقامة مصفاة لتكريره في الجنوب أيام النميري ، بل وسعيها لتنفيذ قناة جونجلي بما يعني مزيداً من المياه للاقليم الشمالي ، كل ذلك أضفى أبعاداً جديدة أسهمت في إطالة أمد الصراع وإتخاذه طابعاً عسكرياً وخصوصاً منذ عام 1983م .
3ً - دور القوى الأجنبية والإقليمية التي تعمل على تكريس الصراع حول جنوب السودان ، وعليه فإن الأبعاد الخارجية عادة ما تفاعل مع الأبعاد الداخلية ، وهو ما يفضي الي زيادة التعقيد في البلاد علاوة على تغذية مشكلة دارفور من أطراف خارجية ومحاولة تدويلها يجعل السودان والمنطقة غير مستقرة.
- قضايا الحدود والنزاع بين دول المنطقة :
تعد مشكلة الحدود من ابرز مخلفات الخبرة الاستعمارية في إفريقيا ، فالحدود السياسية في إفريقيا هي تقسيمات مصطنعة ، رسمت في مؤتمرات أوربا وقد روعي في هذه التقسيمات المصالح والمآرب الاستعمارية وترتب على ذلك تقسيم القبائل الواحدة والشعوب التي تتحدث اللغة الواحدة دون اعتبار للتاريخ أو التقاليد المشتركة أو حتى للحدود الطبيعية الجغرافية وعلى هذا ساهم الاستعمار الاوربى في خلق عدم الولاء القومى بين هذه القبائل ، وتغليب الانحيازات والولاءات الأولية على الانتماءات القومية ومن ابرز المشكلات التي توضح هذا الموروث الاستعماري مشكلة (الازاندى ) في السودان وزائير وإفريقيا الوسطى .
ولعل منطقة شرق إفريقيا تعكس بجلاء أهمية المتغير الحدودي ، بوصفه بؤرة تؤثر على التعامل بين الدول العربية والإفريقية .
ويمكن الإشارة ضمن هذا السياق الى النزاعات الآتية :ـ
- النزاع الصومالي الاثيوبى .
- النزاع الصومالي الكيني.
- النزاع السوداني الاثيوبى الاريتري.
وترجع خطورة هذه المنازعات الحدودية الى عدة أسباب منها :
- إن الامتداد الاقليمى لبعض الجماعات العرقية والأثينية عبر الحدود المشتركة أدى الى حدوث توترات حقيقية بين العرب والأفارقة.
- إن عمليات التفاعل المكثف عبر المناطق الحدودية بين الجماعات الأثينية والثقافية المختلفة أثبتت إنها في لحظات التعاون تمثل تواصلاً بشرياً واقتصادياً وطبيعياً وفى لحظات الأزمة والصدام تمثل خطورة حقيقية ، حيث تزداد نسبة الخسائر المادية والبشرية .
- لقد تم تصوير الكثير من المنازعات الحدودية على إنها مواجهه بين العرب والأفارقة ، يؤكد ذلك المنحى الأسلوب الذي تمت من خلاله معالجة النزاع اليمنى الارتيرى حول (أرخبيل حنيش) إذ سرعان ما أيدت الجامعة العربية اليمن ، وطالبت بانسحاب اريتريا من الجزيرة التي احتلتها وفى الوقت نفسه اصدر الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية بياناً ندد فيه بالموقف العربي وأيد فيه الموقف الاريتري.
- استغلال النزاعات الحدودية من قبل قوى خارجية لإحداث وتعميق بؤر الخلاف والتوتر بين العرب والأفارقة ويلاحظ في هذا السياق أن الدول الأوربية تحاول جاهدة تضخيم الدور العربي في تجارة الرقيق والتقليل من أهمية دور الثقافة العربية والإسلامية في إفريقيا .
- التحول نحو الديمقراطية التعددية بمفهومها الغربي الليبرالي :
- مع التغيرات التي شهدها النظام الدولي وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية في شرق أوربا أضحى الحديث عن الديمقراطية التعددية مسيطراً على لغة الخطاب السياسي ، والحوار الفكري ، والمنتديات الثقافية ، في كثير من مناطق العالم ، ومن بينها إفريقيا، كما أن الدول الغربية المانحة بدأت تفرض ما يسمى بالشروط السياسية ، والتي تنص على ضرورة الأخذ بنظام السوق والتعدد الحزبي من اجل الحصول على القروض والمساعدات من هذه الدول .
- بدأت عملية التحول الديمقراطي طريقها في دول شرق إفريقيا وسط عقبات داخلية وضغوط خارجية.
-ً التنافس الدولي في شرق إفريقيا :
أن منطقة القرن الافريقى وشرق إفريقيا بشكل عام ، تكتسب أهمية خاصة لدى الدول الكبرى وفقاً لاى منطق إستراتيجي أولى ، فهذه المنطقة بمعناها الجيوسياسى الواسع والتي تضم السودان ، وإثيوبيا ، وكل دول الساحل الشرقي للقارة الإفريقية ، بما فيها الدول الإفريقية في المحيط الهندي مثل (سيشل وموريشيوس ) تمتلك عدداً من المقومات المهمة من بينها :
- إنها وفقاً لمنطق الجغرافيا السياسية تعد ذات أهمية بالغة ، إذ تطل دول شرق إفريقيا على المحيط الهندي ، كما إنها تتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عن طريق باب المندب ، وعليه فإنها تتحكم في طرق التجارة العالمية ولاسيما تجارة النفط القادمة من منطقة الخليج العربي .
من هذا المنطلق يوجد اهتماما إستراتيجيا بين منطقتي الخليج العربي ، ومنطقة القرن الافريقى ، حيث إنهما يشكلان ما يمكن أن يطلق عليه اسم (قوس الأزمة) فأي تحركات عسكرية أوربية أو أمريكية متجهه صوب الخليج العربي لابد أن تمر عبر هذه المنطقة .
كما إنها غنية بمواردها الطبيعية مثل النفط الذي أعلن عن اكتشافه في السودان والصومال ، وهى غنية بمواردها المائية حيث منابع النيل ، ولعل ذلك يفسر تفكير بعض القوى العالمية على رأسها الولايات المتحدة ، في إنشاء منطقة القرن الافريقى الكبير التي تربط شرق أفريقا بوسطها عند البحيرات العظمى الغنية هي الأخرى بمواردها الطبيعية .
وهى فضلاً عن ذلك تشهد وجود دول ليست موالية للغرب ، وخاصة بعد الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في كل من السودان والصومال ، وشهدت المنطقة تنامي ظاهرة الأحياء الإسلامي التي اتخذت شكلاً تنظيمياً وحركياً في كل كثير من المناطق ، مثل الاوجادين المحتلة من قبل اثيوبيا وكينيا والصومال ، إضافة الى السودان.
على أن الأهمية الأخيرة ارتبطت بتطورات مابعد 11 سبتمبر ، وما اصطلح على تسميته في الإدارة الأمريكية بالحرب ضد الإرهاب ، إذ يسود اعتقاد جازم بان هناك صلات قوية بين بعض القوى الإسلامية الفاعلة في المنطقة وتنظيم القاعدة.
- السياسات الخارجية تجاه شرف إفريقيا:
اولا- السياسة الأمريكية:
على الرغم من التغير في توجهات السياسة الأمريكية تجاه المنطقة وتجاه إفريقيا بشكل عام منذ عام 1989م، فان الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ظلت ثابتة بشكل كبير ،فهي تسعى الى حماية خطوط التجارة البحرية عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر، والوصول الى مناطق التعدين والمواد الخام بالإضافة الى محاصرة النظم غير الموالية واحتوائها ثم أضيف هدف آخر بعد الحادي عشر من سبتمبر وهو محاربة التيارات الأصولية الإسلامية في شرق إفريقيا ضمن ماتزعمه إفريقيا محاربة الإرهاب .
يعنى ذلك أن المتغيرات الدولية التي سارت تجاه العولمة الأمريكية أدت الى أعادت توجيه السياسة الأمريكية تجاه شرق إفريقيا وخاصة بعد تفجير سفارتيها في كينيا وتنزانينا عام 1998م، ويمكن أن يعزى الاهتمام الامريكى بشرق إفريقيا الى الأسباب الآتية :ـ
أ- الوجود الاسلامى القوى في المنطقة ، حيث توجد دول إسلامية مثل الصومال وجيبوتي ، فضلاً عن تكتلات إسلامية قوية في دول مثل كينيا وتنزانيا ، ونظراً لهشاشة بناء الدولة في هذه المجتمعات فان القوى الإسلامية عادة مات تتجاوز البناء الرسمي للسلطة .
ب- أهمية دول معينة في شرق إفريقيا ضمن الإستراتجية الأمريكية الخاصة بالاحتواء والمحاصرة للنظم غير الموالية ولاسيما في السودان وليبيا ومن هنا تركز الإدارة الأمريكية على دول مثل كينيا ، وتنزانيا ، وجيبوتي .
ج- من الناحية الأمنية تمثل المنطقة تهديداً محتملاً للمصالح الأمريكية ومصالح الدول الحليفة لها ،ولا سيما (إسرائيل) فثمة علاقات وفقاً للاعتقاد الامريكى بين التنظيمات الإسلامية في بعض دول المنطقة وبين تنظيم القاعدة وقد عزز ذلك الاعتقاد حدثان مهمان :
1: تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا.
2: ضرب أهداف اسرائلية في مدينة مومباسا الكينية عام2002م .
ولتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية سعت الولايات المتحدة الى انتهاج الوسائل الآتية :
أ-محاولة إنشاء بنية أساسية تربط مابين شرق إفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى في وسط إفريقيا وهو ما يسمى في الفكر الاستراتيجي الامريكى اسم (القرن الافريقى الكبير) وهو مايسهل بسط الهيمنة الأمريكية على مناطق الثروة الطبيعية ويشجع الاستثمارات الأمريكية في هذا المجال .
ب- التركيز على جيل من القادة الجدد الذين يدافعون بشكل مباشر أو غير مباشر عن المصالح الأمريكية في المنطقة .
- الوجود العسكري في المنطقة:
بدأت الولايات المتحدة بجيبوتي التي تعد اكبر قاعدة فرنسية في شرق إفريقيا وربما يكون اختيار جيبوتي لايخلو من أكثر من مغزى ودلاله ، فهي من الناحية الجيوبوليتكية قريبة من باب المندب ، وتتحكم في بعض الجزر المهمة مثل سيبا وموليله كما أنها تصلح كقاعدة تفيد الوجود العسكري الامريكى في منطقة الخليج وهي تتمتع بقدر نسبى من الاستقرار السياسي ، حيث لم تشهد اى تغيرات عنيفة في بنية السلطة الحاكمة منذ الاستغلال عن فرنسا عام 1977م.
- وضع تصور امريكى لتسوية الصراعات والتوترات التي تشهدها المنطقة:
وضح ذلك من خلال التدخل المكثف في الشأن السوداني عندما تم تعيين مبعوث خاص امريكى للسودان ، وتأييد مبادرة (الإيجاد)على حساب المبادرة المصرية الليبية، وأخيرا دعم الجهود الكينية في رعاية المفاوضات السودانية في (مشاكوس ) لقد باتت الرؤية الأمريكية الجديدة لشرق أفريقا تقوم على أساس اعتقاد مفاده انه على الرغم من أهمية المنطقة استراتجياً وثرائها في الموارد الطبيعية ، فإنها تشكل ملاذاً امناً للإرهاب وهناك تهديدات محتملة للمصالح الأمريكية ، وعليه فان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتحالف مع دول المنطقة ومع الدول الصديقة من خارج المنطقة ولاسيما (إسرائيل) من اجل اجتثاث ماتسمية جذور الإرهاب يعنى ذلك أن الوجود الامريكى والاسرائيلى المكثف سوف يلقى بظلال سلبية على منظومة التوازن الاقليمى في شرق أفريقيا وعلى حقيقة التعاملات الحركية العربية والإفريقية .
ثانيا- السياسة العربية الإسلامية تجاه شرق إفريقيا:
إن عصر العولمة الأمريكية يحاول تهميش العرب والمسلمين فقد أصبح المسلمون في مرحلة ما بعد الحرب الباردة عدواً استراتيجياً للغرب ، مثلهم مثل وضع دول المنظومة الاشتراكية في مرحلة الحرب الباردة ، فمقولات نهاية التاريخ وصراع الحضارات وقيادات الولايات المتحدة (حروباً صليبية) جديدة في مواجهة ما تسمية بالإرهاب ، تؤكد جميعها أن الأسس المتصورة للنظام العالمي الجديد هي في غير صالح المسلمين .
وعليه فان مايحدث في شرق إفريقيا من تطبيقات لقواعد التعامل على المستويين الاقليمى والدولي يدخل ضمن هذا المنطق في التفكير الاستراتيجي بل أن الحوار بين دول المنطقة أصبح يستخدم لغة الحوار الامريكى الجديد ومفرداته نفسها فجميع قادة شرق إفريقيا يسوغون تحركاتهم بأنها موجهه لمحاربة الإرهاب بل أن كل منهم على حده يحاول أن يعرض نفسه على أن الحليف المناسب للولايات المتحدة في المنطقة .
وممكن تجاوز الهيمنة الأمريكية والاسرائلية على الدول العربية في الشرق الافريقى وذلك من خلال :
1 - إعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس المخزون الثقافي والحضاري المتعلق بالعروبة والإسلام ، والافريقانية وإزالة اى إمكانية متصورة للصدام ، وهنا يمكن العمل على تصحيح الصور الذهنية والقوالب الجامدة المرتبطة بالآخر عن كل طرف والتعامل الجاد والواعي من القضايا الحساسة في تاريخ الذاكرة الجماعية لإطراف الحوار مثل قضية الدور العربي والاسلامى في تجارة الرقيق الإفريقية .
2ً-عدم اختزال العلاقات مع دول المنطقة في مجال واحد من المقايضات السياسة والمقابل التجاري ، إذ ينبغي إقامة شراكة حقيقة في إطار منظومة دول الجنوب ويمكن أن تتحقق هذه الشراكة عبر مناهج ومسارات متكاملة :ثنائي، ودون الاقليمى ، والجماعي ،والمؤسسي .
3- الاتفاق على أسس جديدة للتعاون بين العرب ودول شرق إفريقيا بما يحقق المنفعة المتبادلة لكل طرف وينبغي أن لايتم اختزال العلاقات في مسألة الدعم المالي .
4ً - التركيز على المدخل غير الحكومي ونعنى بذلك مؤسسات ومنظمات المجتمع الاهلى التي تستطيع أن تستفيد من المواريث الحضارية والثقافية فثمة مكون اجتماعي عربي واسلامى في دول المنطقة لا يمكن إنكاره .
إن الطريق ليست معبدة تماماً أمام المساعي الأمريكية والإسرائيلية لبسط هيمنتها على منطقة شرق إفريقيا وليس أدل على ذلك من الاحتجاجات الشعبية على هذا الوجود والهجمات التي استهدفت مصالح البلدين وعليه فإننا بحاجة إلى ايلاء التفكير الاستراتجي بإبعاده الشاملة أهمية كبيرة وذلك يعنى أن نخرج من آثار الاعتبارات السياسية والمصلحية الضيقة.
إن التحديات المطروحة في عصر الهيمنة الأمريكية هو جد خطيرة ومن ثم فان الاستجابة لها لابد أن تكون على المستوى نفسه من الجدية أن الخطر الذي يتهدد عالم المسلمين وعالم دول الجنوب يتطلب حتمية التعاون والحوار الإستراتيجي بين كل الأطراف ،ولا ينكر المسئولون الأمريكيون أن احد أسباب إنشاء قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا هو تأمين واستقرار التنقيب عن النفط والمعادن في القارة الأفريقية، فقد شكلت الاضطرابات التي تكررت في حقول النفط في منطقة دلتا النيجر خاصة في الحقول النيجيرية منذ عام 2003 ولحد الآن، ناقوس خطر لدولة تعتمد بشكل كبير على نفط هذا الإقليم.
إضافة إلى أن تزايد نشاط تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي، دعت الولايات المتحدة إلى ضرورة وجود عسكري واستخباراتي أمريكي كثيف في المنطقة، حيث أعلن روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي في السادس من فبراير الماضي أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ أن الرئيس بوش قد اعتمد قرار بإنشاء قيادة عسكرية أمريكية جديدة للقارة الأفريقية بدلا من الوضع الراهن الذي يقسم القارة بين ثلاثة قيادات عسكرية.
وعند دراسة الخلفيات والأهداف من وراء ذلك يتضح انه لم تشغل القارة الأفريقية لسنوات طويلة حيزا كبيرا من اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية، حيث لم تجد في النفوذ الفرنسي أو البريطاني في القارة تهديدا لمصالحها، ولذلك كانت القارة الأفريقية في الخارطة العسكرية الإستراتيجية للولايات المتحدة مقسمة بين ثلاثة قيادات عسكرية أمريكية، حيث كانت مصر ودول القرن الأفريقي تنتمي إلى القيادة العسكرية الوسطى، أما جزيرة مدغشقر فكانت تنتمي إلى قيادة الباسفيك ، بينما كانت بقية دول القارة تنتمي إلى القيادة الأوربية، لكن التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها القارة في العقد الأخير، والتحولات التي شهدتها السياسة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر قد غيرت من رؤية صناع السياسة والإستراتيجية الأمريكيين للقارة الأفريقية.
وللأسباب الرسمية التي دفعت وزارة الدفاع إلى إنشاء قيادة عسكرية جديدة للقارة الأفريقية بمفردها، وردت على لسان قيادات واشنطن السياسية والعسكرية فقد ذكر ريان هنري Ryan Henry مساعد وزير الدفاع لشئون التخطيط والسياسات ، أن الهدف الرئيسي من إنشاء هذه القيادة خلق وتنمية بيئة مستقرة في القارة الأفريقية تشجع على إقامة مجتمعات مدنية، والعمل على تحسين ظروف مستوى المعيشة لشعوب القارة.
وأضاف المسئول العسكري الأمريكي أن أفريقيا التي تمثل مساحتها نسبة 35% من مساحة العالم، ويبلغ عدد سكانها نسبة 25% من عدد سكان العالم، تزداد أهميتها بصورة مطردة، وأنه قد حان الوقت للولايات المتحدة أن تعي وتدرك هذه الأهمية، وأوضح ريان هنري أن مهمة القيادة العسكرية الأفريقية الجديدة التي أطلق عليها افريكوم AFRICOM ، ستكون المساعدة في جهود نزع فتيل النزاعات ، وتأمين بيئة أمنية مستقرة تكون قادرة على هزيمة شبكات والتنظيمات الإرهابية.
وفي تفسيره لضرورة وجود القارة الأفريقية ضمن قيادة عسكرية أمريكية واحدة ، قال المسئول الأمريكي إن شعوب القارة تنظر إلى القارة بوصفها كيان جغرافي وثقافي وسياسي واحد، وأنهم ينتمون إلى قارة واحدة ، ولذلك حرصت القيادة العسكرية الأمريكية على تبني نفس نظرة أبناء وشعوب القارة، وان الإرهاب، النفط، الصين، ليبيا هي الأسباب الحقيقة التي دفعت أمريكا بالتدخل في القارة إذ لا جدال في أن الأحداث التي شهدتها منطقة شرق أفريقيا من تفجير لسفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في عام 1998 ، ومن بعدهما تفجير السفينة الحربية الأمريكية كول في خليج عدن عام 2000، وتزايد نشاط تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي، نبهت الولايات المتحدة إلى ضرورة وجود عسكري واستخباراتي أمريكي كثيف في المنطقة، ومن ثم كان تفعيل الوجود العسكري في جيبوتي تجاوبا مع هذه الضربات الموجعة. وبعد 11 سبتمبر أصبح الهاجس الأمني العامل الأكثر تأثيرا في تخطيط السياسات الأمريكية، وباتت الحرب على الإرهاب إحدى إستراتيجيه إدارة بوش.
ولا يمكن قراءة قرار إنشاء قيادة عسكرية أمريكية خاصة بأفريقيا بمنأى عن رؤية القيادات الاستخباراتية والعسكرية بأن بعض المناطق والأقاليم الأفريقية يمكن أن يمثل خطرا وثغرة أمنية ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. والأمر لدى البعض يتجاوز الصومال أو منطقة شرق أفريقيا، أو دول الشمال الأفريقي فحسب، بل هناك مخاوف من تزايد خطر الأصولية الإسلامية في بلدان غرب أفريقية مثل النيجر وشمال نيجريا.
بالإضافة إلى مجابهة الإرهاب في أفريقيا كسبب لضرورة وجود القيادة العسكرية الأمريكية الجديدة، فإن ليبيا ورغم كل مظاهر التطبيع الأخيرة مع الولايات لمتحدة، لاتزال تسبب قلق للسياسية الأمريكية، يتعلق أيضا بمحاولات ليبيا المتكررة في السنوات الأخيرة للحصول على
نفوذ متزايد خاصة فيما يعرف بإقليم الساحل والصحراء وطموحها بدور قيادي في القارة يزعج واشنطن، خاصة وأنها تعتبر السياسات التي تتبعها ليبيا من اجل الوحدة الإفريقية والنهوض بالواقع الإفريقي على جميع المستويات امرأ يزعج الإدارة الأمريكية.
وإذا كان من السهل حصار الدور الليبي في القارة ، فإن النفوذ الاقتصادي والتجاري والاهتمام الصيني المتزايد بمختلف أنحاء أفريقيا يظل من العوامل الرئيسية لقلق الإدارة الأمريكية، ومن الدوافع التي أجبرت الولايات المتحدة على إعادة صياغة سياستها تجاه أفريقية.
ولا ينكر المسئولون الأمريكيون أن أحد أسباب إنشاء قيادة عسكرية خاصة بأفريقيا هو تأمين واستقرار التنقيب عن النفط والمعادن في القارة الأفريقية، فقد شكلت الاضطرابات التي تكررت في حقول النفط في منطقة دلتا النيجر خاصة في الحقول النيجيرية منذ عام 2003 ، ناقوس خطر لدولة تعتمد بشكل كبير على نفط هذا الإقليم.
ويمكن تفهم ذلك في ضوء تقارير إستراتيجية أمريكية تتوقع أن تلبي القارة الأفريقية 25% من احتياجات الولايات المتحدة من النفط بحلول عام 2015 ، وفي هذا السياق من المتوقع أن يكون أحد مراكز انتشار القوات العسكرية الأمريكية في القارة هو خليج غينيا.
إن الكيان الجديد "أفريكوم"القارة الأفريقية بأكملها باستثناء مصر، ستكون ابتداء من 30 سبتمبر عام 2008 تحت قيادة عسكرية أمريكية واحدة، هي القيادة الأفريقية أو "أفريكوم" AFRICOM كاختصار لعبارة Africa Command. وسوف تدار هذه القيادة مؤقتا من قاعدة عسكرية أمريكية في مدينة شتوتغارت الألمانية.
وكان الكونغرس قد خصص ميزانية يبلغ حجمها 500 مليون دولار لمدة ست سنوات لتمويل مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء الأفريقية بتقديم مساعدات لدول مثل الجزائر وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والسنغال ونيجيريا والمغرب لمواجهة أي تهديدات محتملة من تنظيم القاعدة، كما حرصت وزارة الدفاع في عام 2004 على توقيع عدد من معاهدة أمنية وعسكرية مع دول في مختلف أرجاء القارة، فضلا عن اتخاذ دولة جيبوتي مقرا لقاعدة عسكرية إستراتيجية، وسوف يتم الاستفادة عند تشكيل القيادة العسكرية الجديدة من كافة هذه المبادرات والاتفاقيات والقواعد كأساس يبنى عليه القاعدة الأفريقية.
ثالثا- السياسة الإسرائيلية تجاه شرق إفريقيا :
أن اهتمام (إسرائيل ) بمنطقة شرق إفريقيا يسبق تأسيس الدولة العبرية فقد كان التفكير أولا يدور حول إنشاء وطن قومي لليهود في كينيا أو أوغندا وكانت فكرة الاستيطان فى إفريقيا احد الحلول المقترحة لترحيل يهود روسيا .
ويلاحظ أن (إسرائيل) ركزت بشكل خاص على دول شرق إفريقيا ولاسيما دولاً مثل كينيا وإثيوبيا فقد حافظت إسرائيل على وجودها في اثيوبيا بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم حيث أنها تأثرت تقليدياً بعدد من المتغيرات المهمة مثل وجود جالية يهودية كبيرة (يهود الفلاشا) صحيح أن (إسرائيل ) تمكنت من نقل معظم يهود الفلاشا ، إلا أن بعض الإحصاءات تؤكد وجود نحو خمسة عشر الفاًَ من اليهود لايزالون يعيشون في اثيوبيا ومن جهة أخرى فان ترتيب التوازن الاقليمى في المنطقة يرتبط بالأمن القومى العربي ، ً وذلك على ضوء العلاقات الصومالية الأثيوبية والإريترية الأثيوبية ولاشك أن الوجود الاسرائيلى في المنطقة يساعد عل تحقيق أهداف (إسرائيل) الأمنية.
وإذا كانت إسرائيل تسعى الى تامين البحر الأحمر وخاصة عند مدخله الجنوبي فإنها كما ذكرنا من قبل تركز على قضية مياه النيل واستخدامها ورقة للضغط على الإرادة المصرية والعربية نظراً لحساسية موضوع المياه لدى كل من مصر والسودان فثمة سعى (اسرائيلى) حثيث لتقديم الدعم والمشورة الفنية لإثيوبيا وغيرها من دول حوض النهر وخاصة في مجال إنشاء السدود وتعظيم الاستفادة من موارد النهر .
وعلى صعيد آخر تسعى( إسرائيل ) الى الوقوف في وجه الحركات والمنظمات الإسلامية القوية في منطقة شرق إفريقيا وهى تسعى من جراء ذلك الى تحقيق أكثر من هدف واحد فهي تقدم نفسها للولايات المتحدة وأوربا على إنها المدافع الأول عن القيم الديمقراطية العلمانية في مواجهة الحركات الأصولية الإسلامية وهى من جهة أخرى تحاول مساعدة الدول الإفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية وهى مجالات كانت (إسرائيل) موجودة فيها أصلا وتمتلك مصداقية كبيرة لدى الدول الإفريقية .
وتركز إسرائيل وجودها المكثف بمنطقة شرق إفريقيا على سلاح المساعدات الفنية والعسكرية وهى تشتمل منذ البداية على ثلاثة مجالات أساسية وهى نقل المهارات التقنية وغيرها من خلال برامج تدريبية معينة وتزويد الدول الإفريقية بخبراء إسرائيليين لمدة قصيرة أو طويلة وإنشاء شركات مشتركة أو على الأقل نقل الخبرات والمهارات الإدارية للشريكات الإفريقية .
وأيا كان الأمر فان (إسرائيل) بتعويلها على السلاح والمساعدات الفنية والتقنية في الوقت نفسه الذي تعثرت فيه مسيرة التعاون العربي والاسلامى مع إفريقيا وقد أرست دعائم إستراتيجية جديدة بعيدة المدى لتحقيق الهيمنة الإقليمية وإنشاء (إسرائيل الكبرى ) وذلك هو التحدي الذي يواجه عملية بناء أسس جديدة لدعم الوجود العربي والاسلامى في دول شرق إفريقيا .
إن بروز الدور الامريكى والاسرائيلى في منطقة الشرق الافريقى مع تراجع أو تجميد الدور الاوربى ينطوي على مخاطر جمة بالنسبة الى منظومة الأمن القومى العربي والاسلامى إذ لم يعد التأثير الصهيوني على السياسة الأمريكية قاصراً على القضية الفلسطينية وإنما تجاوزها ليشمل على مناطق أخرى من العالم وهو مايعنى إعادة ترتيب خريطة التوازنات الإقليمية في هذه المناطق بما يخدم مصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وذلك على حساب إطراف أخرى .
وتتسم العلاقات بين "إسرائيل" والدول الأفريقية بأنها حملت على الدوام أبعاداً ومضامين أيديولوجية ويعزى ذلك إلى أكثر من حقيقة واحدة:
أولها- أن فرض الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط أدى إلى خلق نظام إقليمي صراعي بحيث أضحى سمة لازمة للتفاعلات العربية "الإسرائيلية".
ثانيها- ارتباط وتأثر العلاقات "الإسرائيلية" الأفريقية بالعلاقات العربية الأفريقية. وأدى ذلك إلى اعتبار القارة الأفريقية ساحة للتنافس والصراع بين "إسرائيل" والدول العربية.
ثالثها- ارتباط كل من "إسرائيل" والعرب بالتحولات في النظام الدولي وانفراد الولايات المتحدة كقوة قطبية واحدة في عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة، وهو ما اسرائيل التي راحت تعيد ترتيب أولويات حركتها الخارجية بما يحقق لها الهيمنة الإقليمية في أفريقيا.
وهناك أكثر من مؤشر على النجاح "الإسرائيلي" في أفريقيا، ولعل المؤشر الأكثر دلالة على محاولات الهيمنة "الإسرائيلية" على أفريقيا هو عدد التمثيل الدبلوماسي فيها الذي قفز من 6 بعثات عام 1960 إلى 23 بعثة في عام 1961، إلى 32 بعثة في 1972، وتزايد هذا العدد بعد توقيع اتفاقية كامب دايفد، وبلغ مداه بعد توقيع اتفاقية أوسلو حتى إنه صار اليوم ل "إسرائيل" علاقات دبلوماسية مع 42 دولة أفريقية وليس هناك سوى ثلاث دول أفريقية لم تقم بإقامة علاقات مع "إسرائيل" ومنها تشاد الذي يتردد هذه الأيام بواسطة وسائل الإعلام "الإسرائيلية" أن هناك مفاوضات لإقامة علاقات دبلوماسية معها وأن الإعلان عن ذلك سيتم قريبا.
كما نجحت "إسرائيل" - بمساعدة الولايات المتحدة - في تأمين سيطرتها على بعض مشاريع الري في منطقة البحيرات، حيث تقوم بتقديم الدعم الفني والتكنولوجي من خلال الأنشطة الهندسية للشركات "الإسرائيلية" في مجال بناء السدود المائية. وقدمت "إسرائيل" دراسات تفصيلية إلى زائير ورواندا لبناء ثلاثة سدود، كجزء من برنامج شامل لإحكام السيطرة على مياه البحيرات العظمى. وقام خبراء "إسرائيليون" باختبارات للتربة في رواندا، حيث يتوجه الاهتمام "الإسرائيلي" بوجه خاص إلى نهر كاجيرا الذي يمثل حدود رواندا مع بوروندي في الشمال الشرقي.
كما وقعت أوغندا و"إسرائيل" اتفاقًا في مارس 2000 -أثناء زيارة وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية"، برئاسة مدير الري بالوزارة"- ينص على تنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات متضررة من الجفاف، وإيفاد بعثة أوغندية إلى "إسرائيل" لاستكمال دراسة المشاريع التي يقع معظمها في مقاطعات شمال أوغندا بالقرب من الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان وكينيا، وسيجري استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فيكتوريا لإقامة هذه المشاريع، وهو ما يؤدي إلى نقص المياه الواردة إلى النيل الأبيض .
أما الواردات "الإسرائيلية" من كينيا فقد تضاعفت مرتين ونصف المرة، من 6.8 إلى 9.20 مليون دولار سنوياً، بينما تضاعفت الصادرات "الإسرائيلية" مرتين تقريبًا من 14 مليون دولار إلى 3.29 مليون دولار، أما فيما يخص الكونغو، فقد وصلت الواردات "الإسرائيلية" منها إلى مليون دولار تقريبًا بعد أن كانت لا شيء تقريبًا، أما الصادرات "الإسرائيلية" فتضاعفت عشر مرات تقريبًا، من 9.0 إلى 2.5 مليون دولار سنوياً.
ويمكن القول أن الأهداف الأساسية للتواجد "الإسرائيلي" في أفريقيا بوجه عام يتمثل بالاتي:
1- السعي لتحقيق متطلبات الأمن "الإسرائيلي" في جوهره رغم تعدد نظريات الأمن "الإسرائيلي" لكن الجوهر ظل واحداً على الدوام، لقد رأى "الإسرائيليون" - بزعمهم أن خطر الاعتداء يحيق بهم ويحاك ضدهم من جراء إحاطة العرب لهم ، والالتفاف نحو العرب باعتبارهم عناصر هذا الحصار، ولن يفك الحصار سوى الحصار، يعني النزوع إلى توسيع ما أطلقوا عليه "المجال الاستراتيجي الحيوي" وكانت أفريقيا دوماً هي أهم أقطاب هذا المجال الاستراتيجي الحيوي وتم ترجمتها في إستراتيجية تعزيز الوجود "الإسرائيلي" في أفريقيا لأن "إسرائيل" سعت دائماً إلى تحقيق ما عرف بالأمن المطلق أو الأمن الكامل، والذي يعني في المقابل اللا أمن بالنسبة للدول العربية، وما يرتبط بذلك من ضرورة التحكم في المنطقة، من خلال مجموعة من الآليات، من أهمها : خلق علاقات ودية مع الدول الأفريقية، الوجود العسكري في بعض المناطق،أي أصبح الأمن القومي العربي بل والأمن القطري لكل بلد على حدة، هدفاً استراتيجياً للتحرك "الإسرائيلي" في القارة الأفريقية، لذا سعت المحاولات "الإسرائيلية" للحيلولة دون أن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية وضمان هجرة اليهود الأفارقة إلى "إسرائيل".
2- كسر حد العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومحاولة كسب قواعد للتأييد والمساندة وإضفاء نوع من الشرعية السياسية عليها في الساحة الدولية وفي هذا الإطار نظرت "إسرائيل" للساحة الأفريقية باعتبارها ساحة للنزال بينها وبين العرب وفقا لقواعد النظرية الصفرية.
3- كسب تأييد الدول الأفريقية من أجل تسوية الصراع العربي "الإسرائيلي" وفق الرؤية "الإسرائيلية" باعتبار أن الدول الأفريقية بعيدة عن أي انحيازات سابقة لمصلحة أي من الطرفين ما يجعلها وسيطاً مقبولاً.
4- العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم "إسرائيل" على أنها دولة "نموذج" لشعب الله المختار، ويفسر ذلك أن "إسرائيل" اعتمدت دائماً على تقديم المساعدات التقنية والتنموية للدول الأفريقية حتى في حالة عدم وجود علاقات دبلوماسية معها، ويُعَدّ مركز التعاون الدولي في وزارة الخارجية "الموشاف" -الذي يرأسه نائب وزير الخارجية- الجهاز المسئول عن تصميم وتنفيذ سياسات التعاون مع الدول الأفريقية. وكان "الموشاف" من وسائل الاتصال الأساسية مع كبار المسئولين في الدول الأفريقية، على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية، كما حدث مع كينيا وزامبيا وتنزانيا وأثيوبيا، حيث كانت العلاقات الاقتصادية والفنية أكثر قوة من العلاقات السياسية.
- دور الجاليات اليهودية في أفريقيا:
تحتضن أفريقيا جاليات يهودية متفاوتة الأحجام ومتباينة القوة والتأثير، ففي شمال أفريقيا جماعات من اليهود السيفارديم الذين قدموا بالأساس من أسبانيا والبرتغال خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أضف إلى ذلك أنه قدمت إلى أفريقيا جماعات من اليهود الاشكيناز من شمال وشرق أوروبا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وإذا كان حجم هذه الجاليات، خارج جمهورية جنوب أفريقيا هو جد متواضع إلا أن وضعها الاقتصادي في بعض دول أفريقيا جنوب الصحراء مثل كينيا يتسم بالقوة والتأثير.
ويمكن القول إن يهود الفلاشا الأثيوبيين يمثلون واحدة من أفقر الجاليات اليهودية في العالم على الرغم من اعتقادهم الراسخ بأنهم يمثلون القبيلة المفقودة في التاريخ "الإسرائيلي"، وقد تم نقل معظم الفلاشا إلى "إسرائيل" جواً عبر السودان فيما عرف باسم "العملية موسى" والتي بدأت في عام 1983 ووصلت إلى ذروتها خلال الفترة بين 1984-1985.
رابعا- السياسة الصينية اتجاه إفريقيا بوجه عام وشرقها بوجه خاص:
تفردت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة دولية وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي وانتهاء الحرب الباردة, وتميز النظام الدولي الجديد كما أطلقه جورج بوش الأب في أوائل التسعينيات باعتماده على قوة دولية واحدة, وقد أنهى ذلك حالة التوازن الدولي ونظام ثنائية الأقطاب الذي ساد العالم بعد الحرب العالمية الثانية وحدد قوانين العلاقات الدولية في المرحلة الجديدة.
ويتفق علماء السياسة والعلاقات الدولية أن النظام الدولي السائد هو نظام القطب الواحد, ويعتمد هذا النظام على القوة والنفوذ للاعب السياسي الأوحد في كل المجالات: العسكرية (الولايات المتحدة تنفق 54% من مجل الإنفاق العسكري في العالم)، الاقتصادية باعتبارها القوة الاقتصادية الأولى, وصاحبة الناتج القومي الأعلى, كما أنها تستهلك 52% من مجمل الطاقة بأنواعها في العالم, بالإضافة إلى قوة المعرفة والتكنولوجيا. ولكنهم يشيرون في أدبياتهم التي ظهرت في سنوات التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين, أن النظام الدولي لا يحتمل قوة دولية واحدة , وانه لا بد له من إفراز قوة دولية أخرى أو مجموعة قوى دولية تعيد للنظام الدولي توازنه وقوانينه الطبيعية في الصراع على النفوذ والقوة والطاقة إلى جانب هذه القوة تتنافس قوى دولية أخرى في النظام الدولي, ولكنها لا تملك حاليا إرادة سياسية لمشاركة الولايات المتحدة في إدارة النظام الدولي, ولأن الإرادة السياسية جزء هام في ذلك, فإنها تكتفي بالعمل السياسي والدبلوماسي في مواقع ومساحات أخرى, مثل الساحة الاقتصادية أو العلمية, أو حتى السياسية ولكن في المواقع الأقل حيوية واقل احتكاكا من اللاعب السياسي المركزي في النظام الدولي, مثل الابتعاد عن التأثير في منطقة الشرق الأوسط مثلا, لأن في ذلك احتكاكا مباشرا مع القوة الدولية الأولى تعتبر الصين القوة الواعدة في النظام الدولي, وتستند هذه القوة على النمو والنجاح الاقتصادي الباهر للصين ومعدلات النمو الجامحة لهذا البلد الكبير, فقد سجلت الصين نموا اقتصاديا يصل إلى 10.5% في العام 2005، ويصل دخل الفرد السنوي إلى 6800دولارا (في دولة يصل عدد سكانها إلى مليار وثلاثمائة مليون نسمة)، كما يدرس في الصين 17مليون طالب جامعي, ويتخرج كل سنة أكثر من 300ألف مهندس إلى سوق العمل, وفي هذه الأثناء يتم بناء 800مطار في الصين, ومن المتوقع أن يشكل قطاع الطيران الصيني, القوة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة، لا شك أن الصين تسجل نجاحات باهرة على المستوى الاقتصادي والعلمي ولكنها تدرك أنها لا تزال بعيدة عن القوة الدولية التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية في كل المجالات, حتى في المجال الاقتصادي، لهذا السبب لم تنعقد النية والإرادة السياسية بعد للتنين الصيني أن يعلن عن نفسه قوة دولية إلى جانب الولايات المتحدة, رغم أنها عضو دائم في مجلس الأمن وتملك حق النقض الفيتو, إلى جانب كونها قوة نووية متقدمة. فالقوة الدولية تحتاج إلى الكثير من العمل على المستوى الذاتي, ولكن ليس اقلها أيضا هزة في النظام الدولي تعيد ترتيبه من جديد كما كان واقع النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي أعلن عن نهايتها في حرب الخليج الأولى. كما أن من معوقات ذلك ضيق مساحة الحريات في نظامها السياسي وما يلاقي من معارضة في الغرب .
بدأت الصين في السنوات الأخيرة ببناء مراكز نفوذ جديدة, معتمدة على العلاقات الاقتصادية المتبادلة والمعونات المالية الضخمة, ويبدو أن هنالك منطقتين تثيران اهتمام الصين في الوقت الحالي, المنطقة الأولى: هي أفريقيا, والمنطقة الثانية: جنوب شرق آسيا, والتي لها صلة مباشرة بالأمن القومي الصيني (مثل العلاقات مع اليابان, كوريا الشمالية, قضية تايوان وغيرها). إن هنالك اهتماما صينيا واضحا بالقارة الأفريقية, وهي قارة بعيدة عن الاحتكاك المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة, ومصدر للطاقة من جهة ثانية ،وبدأ المسؤلين الصينيين في زيارة لدول افريقية وتأتي هذه الزيارة بعد انعقاد مؤتمر الدول الأفريقية في الصين لتعميق العلاقات والتبادل الاقتصادي بين القارة الأفريقية ودولة الصين, وفي هذا المؤتمر قدمت الصين منحا اقتصادية بقيمة خمسة مليارات يورو كمساعدات ومنح وقروض للدول الأفريقية, وهنالك توجه لزيادة الدعم المالي والاقتصادي لأفريقيا على شكل إقامة مشاريع صينية للإسكان وتنقية المياه والري وغيرها من المشاريع وتكمن أهمية القارة الأفريقية للصين في المجالات التاليةعلى المستوى السياسي: تعميق النفوذ السياسي الصيني في القارة الأفريقية من خلال الدعم الاقتصادي, كجزء من رؤية صينية للتأثير على المجريات العامة لهذه القارة, وكسب ود هذه الدول في رفع المكانة الدولية للصين،وعلى المستوى الاقتصادي تشكل القارة الأفريقية سوقا اقتصادية, اذ تسعى في مضاعفة التبادل التجاري مع القارة الأفريقية, فقد قفز معدل التبادل التجاري بين الصين والقارة الأفريقية إلى 40%, ليصل إلى 5،55 مليار يورو في العام 2006, وفي نفس الوقت فإن أفريقيا مستفيدة من هذا التبادل التجاري حيث أن ميزان التبادل التجاري كان لصالح أفريقيا بقيمة 1،2 مليار يورو ، وتهدف الصين إلى تعميق التبادل الاقتصادي بين الطرفين وزيادته, ففي العام 1995, وصل حجم التجارة بين الطرفين إلى 3 مليار دولار, وقفز إلى 40 مليار دولار في العام 2005, ومن المتوقع أن يصل إلى 100مليار دولار حتى العام 2010،وعلى مستوى الطاقة، تبحث الصين عن مصادر بديلة, كما تفعل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الغربية, فقضية إيجاد مصادر بديلة للطاقة تحولت إلى أجندة هامة في التفكير الدولي, والصين كقوة اقتصادية صاعدة بحاجة إلى مصادر طاقة بديلة وداعمة للتطور الاقتصادي, وتعتقد الصين أن ذلك متوفر في القارة الأفريقية, لهذا السبب عارضت الصين فرض عقوبات اقتصادية على السودان في قضية دارفور بسبب أن السودان توفر للصين كميات كبيرة من النفط أن نقول أن الصين هي بحق قوة اقتصادية صاعدة ومرشحة أن تكون القوة الدولية القادمة, لكنها لا تزال بحاجة للكثير لتصل إلى النفوذ والقوة الدوليين اللذين تتمتع بهما الولايات المتحدة الأمريكية, وأهمهما الإدارة السياسية.
خامسا- السياسة الاوربية:
اتجهت جهود الدول الأوربية للتعامل مع القارة وقضاياها في صورة من الدعم الاقتصادي والإنمائي، حيث رأت أنه المدخل لها بعد أن سبقتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين في خلق نوع من الشراكة مع القارة.
وإذا كان المدخل للولايات المتحدة الأمريكية هو المدخل السياسي والعسكري، فإن الاتحاد الأوروبي اتخذ المدخل الاقتصادي التنموي، بعد أن أصبحت القارة على رأس أولويات السياسة السياسية الاقتصادية والخارجية لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
وربما يمثل الاهتمام الأمريكي والصيني تدخلاً في مناطق النفوذ الأوروبية التقليدية، إلا أن أوروبا اتخذت الخطوة الصحيحة بتقديم مبادرتها الإنمائية.
تبنت المفوضية الأوروبية في 12 أكتوبر 2005، مبادرة إستراتيجية الاتحاد الأوروبي من أجل أفريقيا "نحو ميثاق أورو ـ أفريقي من أجل التعجيل بالتنمية"، وهي تقوم على أساس صياغة إطار للدول الخمس والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المفوضية الأوربية. وتأتي هذه الخطة في إطار التنافس الدولي على القارة، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وقدرت مساعدات التنمية من الاتحاد الأوروبي بمقدار 15 مليار يورو للدول الأفريقية، مقابل 5 مليارات فقط عام 1985، وقد أقر المجلس الأوروبي في يونيه 2005، التزامه بزيادة حجم المساعدات بقيمة 20 مليار يورو سنوياً، وذلك حتى عام 2010، ثم يرتفع إلى 23 مليار يورو سنوياً حتى عام 2015.
جاءت المبادرة الأوروبية، بعد الانتقادات التي وُجهت لطبيعة والاتفاقيات التي تبرمها المفوضية مع الدول الأفريقية وأهدافها، حيث رأت فيها الدول الأفريقية أداة للسيطرة على الأسواق الناشئة، كما عدتها أداة لإعادة استعمار القارة من طريق التجارة الحرة. لذا وضعت إستراتيجية أوروبية جديدة للتعامل مع القارة الأفريقية، في صورة شراكة من أجل التنمية، ويُعد الهدف الرئيسي للإستراتيجية الأوروبية هو وضع إطار عمل للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل دعم جهود القارة الأفريقية للوصول إلى الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة للعقد القادم.
ويمكن إيجاز الإستراتيجية الأوربية تجاه أفريقيا في الأبعاد الآتية:
1- زيادة تمويل الاتحاد الأوروبي للقارة.
2- زيادة الدعم الأوروبي في المجالات الأكثر أهمية.
3- إتباع الاتحاد الأوربي مساراً أكثر كفاءة في التعامل مع القضايا الأفريقية.


الخاتمة:
أن وراء ظاهرة الصراع والحروب في شرق أفريقيا مجموعة معقدة من الأسباب المتفاعلة مع بعضها البعض يشكل الصراع حول توزيع السلطة والثروة وتمثيل الهوية دعامتها الأساسية ، فالعرقية لديهم ليس إلا أداة لتحقيق المصالح السياسية .
ويبرز العامل السياسي – الاقتصادي بصورة أكثر وضوحاً لدى باحثي البنك الدولي الذي يرون أن الحرب في أفريقيا (ليست نتيجة للتفكك العرقي – اللغوي لأقطارها ولكنه نتيجة للنسب العالية من الفقر والمؤسسات السياسية الفاشلة واعتماد الاقتصاد على الموارد الطبيعة.
إن جميع تلك الآراء والنظريات التي حاولت تشخيص علل أفريقيا وتفسير نسبة التفشي العالية للحروب والصراعات فيها قد لامست ، بلا شك ، جزءاً من الحقيقة ، فالتاريخ يعلمنا أن ليس هناك عامل واحد وراء الحدث، وإنما هي عوامل متعددة متركبة و متشابكة ، ومن هنا فإن أي تفسير يهمل أو يستبعد العامل التاريخي ، وهو في هذه الحالة التكوين التاريخي للدول الأفريقية الحديثة ، يجعل الوصول إلى الحقيقة ، ولو نسبياً ، أمراً متعذراً .
إن فهم الصراع والحرب في أفريقيا عموما لا يتم إلا من خلال دراسة تاريخ القارة خلال الفترة الاستعمارية ، خاصة قضية الحدود الاستعمارية ، وتنبع أهمية الحدود الاستعمارية وما نتج عنها من كونها العنصر الهام الذي كون وشكل الدول الأفريقية الحديثة دولة ومجتمعاً . فالدولة الأفريقية الحديثة، ما هي إلا صناعة استعمارية شكلها وصاغها الاستعمار وفقاً لرؤيته ومصالحه ، وإذا كانت الدولة الاستعمارية المحلية في الماضي هي الإدارة التي نفذت السياسة الاستعمارية ، القائمة على الاستغلال والقمع، فإن الدولة الحديثة من خلال نخبها السياسية الحاكمة الذين هم بدورهم صناعة استعمارية قد سارت على ذات الدرب ، لكن إذا كانت الدولة الاستعمارية المحلية قد نجحت في الماضي، من خلال سياسة التهدئة والعصا في كبح عناصر الصراع السياسي، وكبت تطلعات الجماعات العرقية، فإن سير الدولة الحديثة على ذات الدرب دون إدراك لطبيعة المرحلة وأبعاد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، قد ساهم في إذكائها .
فضلا عن ذلك فان قضايا النزاع الحدودي والتدخلات الأجنبية في دول شرق إفريقيا قد تركت أرثا ثقيلا على شعوب المنطقة وأمنها وجعلها عرضة لهذه التدخلات وبشكل علني ، فموقعها الاستراتيجي وخيراتها الاقتصادية كان ابرز العوامل التي ساعدت على هذا التدخل ،
كما تعتبر منطقة القرن الإفريقي على الدوام محط أنظار الدول الاستعمارية الكبرى، نظراً لما تتمتع به من أهمية جغرافية وإستراتيجية، فالقرن الإفريقي يكتسب أهمية حيوية من الناحية الجغرافية، نظراً لأن دوله تطل على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية. ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتجهة إلى أوربا والولايات المتحدة، كما أنها تُعد ممراً مهماً لأي تحركات عسكرية قادمة من أوربا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي.
ولا تقتصر أهمية القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في السودان، وهو ما يعد أحد أسباب سعي واشنطن تحديداً لإيجاد حل لقضية الجنوب، وكذلك في الصومال.
ولعل أحد تفسيرات تدخّل واشنطن في الأزمة الصومالية بعد نشوبها عام 1990، هو بداية ظهور البترول في الأراضي الصومالية، خاصة أن واشنطن لم تتدخل منذ بداية الأزمة، وإنما تدخلت بعد عام ونصف من اندلاعها.
واكتسبت منطقة القرن الأفريقي أهمية ثالثة بعد بروز القوى الإسلامية في العديد من دول المنطقة، ومطالبتها بتطبيق الشريعة الإسلامية، سواء أكان ذلك في السودان أو الصومال (المحاكم الإسلامية)، أو حتى في إقليم الأوجادين الصومالي المحتل من قبل أثيوبيا.
وعلى ضوء ذلك اهتمت الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في القرن الإفريقي، وقامت وزيرة الخارجية السابقة "مادلين أولبرايت" بعدة زيارات للمنطقة،وكذا الرئيس الأميركي السابق "بيل كلينتون"، في إطار الاهتمام بالحلول محل النفوذ الفرنسي والإيطالي هناك، وفي إطار جعل تلك المنطقة منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، وفي إطار الرغبة الأميركية في حصار مصر والسودان والشمال العربي والإفريقي، بل الدول العربية المطلة على البحر الأحمر عموماً، وعلى هذا نرى أن القرن الأفريقي يحتل موقعاً مهماً في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية، فهو يتكون من أربعة مناطق تدخل في نطاق اهتمام القيادة المركزية الأمريكية، وهي مسئولة عن الأمن في المنطقة الواقعة من كازاخستان شمالاً وكينيا جنوباً، ومن مصر غربا حتى باكستان شرقاً، وبالتالي فهناك أربعة مناطق أساسية، هي:
-شبه الجزيرة العربية والعراق، وتضم دول الخليج العربي إضافة إلى العراق.
- منطقة شمال البحر الأحمر، وتضم مصر والأردن .
- منطقة القرن الأفريقي، وتضم جيبوتي وأثيوبيا وإريتريا والصومال وكينيا والسودان وجزر سيشل.
- منطقة جنوب ووسط آسيا، وتضم أفغانستان وإيران وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية (كازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.
وتقوم إستراتيجية القيادة المركزية على ثلاثة عناصر أساسية، هي :
أ- القتال لحماية وتنشيط مصالح واشنطن في المنطقة المعنية لاحتواء أي تدفق غير منضبط لمصادر الطاقة بها، وفي مقدمتها النفط،والحفاظ على استقرار المنطقة، وهو مايتطلب عدة أشياء، منها التلويح باستخدام القوة، والبقاء في وضع الاستعداد،والاحتفاظ بقوات لكسب أي حرب بشكل حاسم على كافة مستويات الصراع.
ب- التدخل للحفاظ على شبكة التحالفات القائمة، وتطوير شبكة المعلومات، خاصة في مجالا لاستخبارات لمقاومة مخاطر أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب، مع الاحتفاظ بعلاقات ودية مع قادة المنطقة العسكريين والسياسيين على حد سواء.
ج- التوسع لدعم وتعزيزا لجهود البيئية والإنسانية، وتوفير استجابة فورية في أوقات الأزمات البيئية والإنسانية.
ومن هنا يمكن القول بأن الاهتمام الأمريكي بالقرن الأفريقي ليس وليد اللحظة -كما يظن البعض- وإنما هو اهتمام قديم يرجع إلى الأهمية الإستراتيجية للمنطقة، صحيح أن هذا الاهتمام زاد في الآونة الأخيرة بدليل التحركات العسكرية الأمريكية، إلا أن التواجد كان سابقاً على ذلك، وهو ما يعني أن التواجد ليس فقط من أجل ضرب العراق كما كان يُعتقد في السابق، وتوفير قاعدة إمداد خلفية للقوات العاملة في الخليج، وإنما يهدف أيضاً إلى قمع القوى الإسلامية، أو قوى الإرهاب، كما يحلو لواشنطن أن تطلق عليها في المنطقة.
الهوامش:
- Elbadawim Ibrahim and Nicholas Sambanis : "Why Are There So many Civil wars in Africa, ? Understanding and preventing Violent Conflict.” Journal of African Economies ,p64. 2000
- 2 جلال يحي : تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر (المكتب الجامعي الحديث ، الإسكندرية ،1999م،ص95
3 - حمدي عبد الرحمن ،قضايا في النظم السياسية الأفريقية، القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2000م.
4 - صلاح سالم زرنوقة،العرب وأفريقيا فيما بعد الحرب الباردة، جامعة القاهرة، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، قضايا التنمية، عدد 18، 2000م.
5 - على مزروعى ومايكل تايدى ، ترجمة شاكر نصيف لطيف، القومية والدول الجديدة في أفريقيا ، الجزء الثاني ،دار الشئون الثقافية العامة ، بغداد ، 1990،ص32
6 - حمدي عبد الرحمن: السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا من العزلة إلى الشراكة، السياسة الدولية، العدد 144، يناير 2001م، ص 192 ـ 193.
7 - أحمد ثابت ، العولمة ومخاطر المعايير المفروضة، التوجهات الأمريكية إزاء السودان" في حمدي عبد الرحمن (محرر)، إفريقيا والعولمة، القاهرة، برنامج الدراسات المصرية الإفريقية بجامعة القاهرة، 2004م. ص42
8-Mahmood Mamdani, how can we name the Darfur crisis: preliminary thoughts on Darfur,NewYork,University of Columbia,2004,p55
9 - خليل إبراهيم الطيار، محاولات إسرائيل العودة إلى إفريقيا وعلاقاتها باتفاقية التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة ، شئون عربية، عدد 47، أيلول- سبتمبر 1986م، ص164
10 - علاء سالم، إسرائيل والقرن الإفريقي، المنطلقات الإستراتيجية وأنماط التحرك، مجلة التعاون، المجلد (10)، العدد (39)، 1995م، ص 144 188.
11 - Israel Ministry of Foreign Affairs. Israels Deplomatic Mission Abrod, a (WWW.mfa.gov.) Napmi Chazan, Israel in Africa The Jerusalem Quarterly Vol
12- ناحوم غولدمان، اسرائيل إلى أين، ترجمة ، سخي خوري ، دار الشرق العربي الكبير، بيروت، 1985، ص111.
13 - هانئ رسلان ، أبعاد التغير في السياسة الأمريكية تجاه السودان، السياسة الدولية، يوليو 2002م،ص69
14 - Ali Mazrui, ''From Slave Ship to Space Ship: Africa between marginalization and globalization African studies quarterly, vol.4, 1998

15 -Michael Shurkin, france and the Darfur crisis, Washington DC.: the Brookings institution,US-European ,alysisseries,January2005,p82
16- حمدي عبد الرحمن، السودان ومستقبل التوازن الإقليمي في القرن الأفريقي، السياسة الدولية، العدد 147، يناير 2001م، ص 111 ـ 113.
17 - إجلال رأفت ، السياسة الفرنسية في أفريقيا جنوب الصحراء، السياسة الدولية، العدد 145، يوليو 2001م، ص 8 ـ 23.